جيل Z- عدالة عالمية، سياسة متجددة، ومستقبل ينتظر.

المؤلف: هشام جعفر08.10.2025
جيل Z- عدالة عالمية، سياسة متجددة، ومستقبل ينتظر.

خلال الأشهر الثمانية الفائتة من هذا العام، تجمعت ثلاثة مشاهد بارزة تسلط الضوء على الدور المحوري الذي يلعبه جيل Z - المولود بين منتصف التسعينيات ومنتصف العقد الأول من الألفية الجديدة - في إحداث التغيير المنشود. وبالتأكيد، سبقت هذه المشاهد أحداث أخرى، وستتبعها غيرها، لتجسد مشاركة الشباب، الذين يشكلون نسبة كبيرة تصل إلى 32% من سكان منطقتنا، في صياغة ملامح المستقبل الزاهر.

  • المشهد الأول: غزو وسائل التواصل الاجتماعي بمحتوى يناهض الرواية الإسرائيلية ويقف في وجه داعميها الغربيين فيما يتعلق بأحداث السابع من أكتوبر. أبدى هذا الجيل تضامنه المطلق مع الفلسطينيين في وجه الإبادة الجماعية عبر تقديم روايات بديلة مؤثرة، وجمع التبرعات القيمة، وغير ذلك من أشكال الدعم. وتكامل هذا المشهد مع حركة المقاطعة النشطة في المنطقة العربية والإسلامية، بالإضافة إلى المظاهرات الطلابية الحاشدة والاعتصامات المنظمة في الجامعات الأمريكية المرموقة وبعض الجامعات الأوروبية العريقة.
    يبدو أن هذا الجيل يكنّ شغفًا استثنائيًا تجاه القضية الفلسطينية. فوفقًا لأحد المراقبين، كانت حرب غزة هي الاختبار الحقيقي الأول لجيل Z. هذا التحول العميق نحو الدفاع عن غزة وفلسطين الحرة، من النهر إلى البحر، قد أثر بشكل كبير على أهداف هذا الجيل في الحياة، وقيمه الراسخة، وحتى تصوره لمعنى الوجود الإنساني.
  • المشهد الثاني: الانتفاضة الكينية التي تفجرت في وجه التشريعات الحكومية التي أقرها رئيس الوزراء الكيني، والتي تحمل الفئات الاجتماعية الأكثر فقرًا عبء الاتفاقات مع صندوق النقد الدولي.
    هذه الحركة، التي بدأت شرارتها بسبب مقترحات ضريبية مثيرة للجدل، سرعان ما تحولت إلى حملة واسعة النطاق تطالب بحكم أكثر شفافية وخضوعًا للمساءلة في البلاد. انطلقت المظاهرات في الثامن عشر من يونيو الماضي، لتشكل منعطفًا حاسمًا في مسار الإصلاح السياسي في كينيا.
  • وأخيرًا وليس آخرًا: الضغط الهائل الذي مارسه الطلاب البنغلاديشيون على رئيسة الوزراء الشيخة حسينة، الأطول بقاءً في السلطة في البلاد، لإجبارها على الفرار وتقديم استقالتها في مطلع هذا الشهر.
    أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى اتخاذ حركة الطلاب، التي انطلقت في 14 يوليو الماضي، أبعادًا جماهيرية واسعة هو فشل السياسات الاقتصادية التي تبنتها الحكومة في توفير فرص عمل كافية للشباب. تشير الإحصائيات إلى أن حوالي 41% من شباب البلاد لا يزالون خارج مقاعد الدراسة ولا يحصلون على فرص عمل. إن السياسات المسؤولة عن هذا الوضع المأساوي لم تأتِ من فراغ، ولم يتم صياغتها دون علم أصحاب القرار.

وفي إيران، شكل هذا الجيل النواة الصلبة للمشاركين في احتجاجات عام 2022، وقد سبقته انتفاضات الربيع العربي بموجتيها المتتاليتين، والتي لعب فيها الشباب دورًا رياديًا لا يمحى.

كان الدافع الأساسي وراء هذه الأحداث المتلاحقة هو الشباب المتفانون في قضايا العدالة للجميع، والذين يسعون جاهدين لتحقيق مستقبل مزدهر في أوطانهم التي رزحت تحت وطأة أنظمة قمعية صادرَت آمالهم في حياة كريمة. إنهم يحاولون جاهدين الفصل بين طموحاتهم وتطلعاتهم وبين الرؤى الرسمية للحكومات والشركات والمؤسسات التي تسعى لتحقيق الربح على حساب دماء البشر وتدمير البيئة.

إن انخراط جيل Z العميق في القضية الفلسطينية، وقيادته للاحتجاجات الوطنية والعالمية، يمثل ظاهرة واتجاهًا في آن واحد، تعكس تحولًا ملحوظًا في المواقف السياسية والاجتماعية، وتأثيرات أوسع على المشاركة العالمية في قضايا العدالة والإنسانية.

إن استنزاف اقتصاد بنغلاديش وكينيا وسائر دولنا، والحكم الكليبتوقراطي المستشري (حيث يسعى السياسيون الفاسدون إلى إثراء أنفسهم بطرق غير مشروعة)، وعبء الديون المتراكمة التي تخنق مستقبل الأوطان، ليست قضايا منفصلة عن انتزاع حياة هؤلاء الشباب. كان من المفترض أن تكون أجهزة الدولة هي السند والعون لهم، لكن الدولة ومن يسيطرون عليها اعتبروهم أعداء، وقاموا بقمعهم بوحشية. ومع ذلك، لم يستسلموا لهذا القمع، كما يتضح جليًا في بنغلاديش وكينيا والجامعات الغربية.

تكشف الدراسات أن طلاب الجامعات من جيل Z يرون أنفسهم مخلصين، ومتعاطفين، ومنفتحين، ومسؤولين، ومصممين على تحقيق أهدافهم.

هل يمكننا القول بثقة أننا دخلنا مع هذه المشاهد حقبة جديدة يمكن أن نطلق عليها "سياسة الشباب" التي يعيد جيل Z صياغتها وتشكيلها؟

خصائص خمس

  • النشأة الرقمية: لقد ترعرع هذا الجيل في عالم رقمي متكامل، حيث أصبح الإنترنت والهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتهم منذ نعومة أظفارهم. يتميزون بمهاراتهم الفائقة في التكنولوجيا، ويشعرون بالراحة التامة في استخدام الأدوات الرقمية في مختلف جوانب حياتهم. حياتهم النشطة على وسائل التواصل الاجتماعي تجعلهم جيلًا واعيًا بذاته بشكل ملحوظ. ونتيجة لذلك، فإنهم يتعرضون لضغوط اجتماعية متزايدة مقارنة بالأجيال السابقة.
    هذا التعرض المكثف للتكنولوجيا أثر بشكل كبير على توقعاتهم وسلوكهم. إن الازدهار الهائل لوسائل التواصل الاجتماعي له تأثير نفسي عميق على جيل Z، حيث يولي أهمية كبيرة للمظهر الشخصي. إنهم جيل يستخدم هذه المواقع لخلق شعور فريد بالانتماء إلى الأصدقاء والمجتمع.
  • عالمي الاهتمام، والعدالة كلمة مفتاحية لديه: نظرًا لأنهم نشأوا في عصر سهولة الوصول إلى المعلومات، فإن العديد من أفراد جيل Z يتمتعون بمعرفة واسعة بالقضايا العالمية، وغالبًا ما يكونون متحمسين للنشاط والمناصرة. ونظرًا لكونهم متصلين بالعالم عبر الإنترنت، يميل هذا الجيل إلى امتلاك منظور عالمي شامل، ويكونون أكثر وعيًا واهتمامًا بالقضايا الدولية مقارنة بالأجيال السابقة.
    إن الترابط العالمي الوثيق الذي يعززه الإنترنت يشجع الشعور بالمسؤولية الجماعية تجاه القضايا الدولية الملحة.
    هم أكثر ميلًا للتعاطف مع المجتمعات المهمشة في جميع أنحاء العالم، بمن فيهم الفلسطينيون، حيث يرون نضالاتهم في سياق عالمي أوسع. إنهم أكثر استعدادًا من الأجيال السابقة لدعم قضايا العدالة الأساسية مثل المساواة العرقية والمساواة بين الجنسين. كما أنهم أكثر حساسية تجاه قضايا التوزيع غير العادل للفرص والثروات والدخول. يشعر العديد منهم بقلق بالغ بشأن القضايا البيئية المتفاقمة، مثل تغير المناخ والاستدامة.
  • التطور والتكيف: يتميز النشاط الشبابي بقدرته العالية على التكيف والتطور المستمر. فمع مرور الوقت، تتغير جميع أشكال السياسة المثيرة للجدل، وبالتالي فإن أشكال المقاومة واستراتيجيات المشاركة لا تظل ثابتة أبدًا. وعلى الرغم من نظرته المثالية للتغيير، فإن هذا الجيل معروف أيضًا بكونه عمليًا وواقعيًا، ويمتلك قدرة فريدة على التكيف، ويفهم تعقيدات التحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تواجهه.
  • التعلم الذاتي: يفضل هذا الجيل أن يكون تعلمهم عمليًا وتطبيقيًا، ويرغبون في أن يساعدهم أساتذتهم في التعامل مع المحتوى وتطبيقه بدلًا من مجرد مشاركة ما يمكنهم العثور عليه بأنفسهم عبر الإنترنت. ونتيجة لإمكانية الوصول العالية إلى وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا التي اعتادوا عليها، فإن جيل Z على أتم الاستعداد لإعادة تشكيل المنظمات والمجتمعات كما نعرفها اليوم.
    هذا جيل لم يعد يكتفي بالحصول على وظيفة فحسب، بل يسعى إلى تحقيق المزيد من ذلك. إنه يتوق إلى الشعور بالإنجاز والإثارة في رحلة حياته التي من شأنها أن تساعد في دفع العالم نحو التقدم والازدهار.
    إن الازدهار الهائل لوسائل التواصل الاجتماعي له تأثير نفسي عميق على جيل Z، حيث يولي أهمية كبيرة للمظهر الشخصي، إلا أنهم في الوقت نفسه أكثر وعيًا بخياراتهم الاستهلاكية، ويدعمون العلامات التجارية والمبادرات التي تتوافق مع قيمهم فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وعلاقة المنتجات والاستثمارات الخالية من الصراعات.
  • تشظّي المجموعات المرجعية وغياب المركز: إن الانفصال بين الأجيال داخل الأسر يعني أن الشباب عادة ما يغيرون مجموعتهم المرجعية إلى مجموعة أخرى غير والديهم. يمتد هذا التأثير ليشمل علماء الدين والزعماء السياسيين ووسائل الإعلام الرئيسية.
    هذا الجيل لا يستهلك الأخبار التي تتضمن الكثير من القصص غير المروية أو الملفقة؛ بل يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تقدم قصصًا فورية من أشخاص عاديين ليسوا صحفيين ولا يتبعون أجندات معينة. إنهم يتابعون أشخاصًا من جيلهم ويشبهونهم؛ لذا فإن قدرتهم على تقديم المحتوى الذي يتناول فهم نفس الجيل، باستخدام نفس الأدوات التي يفضلونها، تخلق مشاعر مشتركة قوية.
    توفر وسائل التواصل الاجتماعي محتوى فوريًا وغير خاضع للرقابة في كثير من الأحيان، مما يوفر منظورًا خاصًا وشخصيًا للوضع في الأحداث، وهذا يوفر إمكانية لهذا الجيل للوصول إلى مجموعة واسعة من وجهات النظر المتباينة، بما في ذلك آراء الأشخاص المتأثرين بشكل مباشر بالنزاع، كما ظهر في غزة، والتي يمكن أن تتحدى الرواية السائدة.
    هذه البنية الاتصالية المتطورة تدفع جيل Z إلى التحليل النقدي والتشكيك في الروايات السياسية وكشف التحيزات الإعلامية الخفية.

بالطبع، لا تعني هذه السمات الأساسية عدم وجود اختلافات جوهرية بين أفراد هذا الجيل، فهم ليسوا فئة متجانسة. لديهم انتماءات عرقية واقتصادية وسياسية وانحيازات فكرية متعددة، لكن تظل قدرتهم الفريدة على اكتشاف القواسم المشتركة فيما بينهم أمرًا بالغ الأهمية.

إنهم يشككون في سلطة أصحاب النفوذ الأكبر سنًا بطرق مبتكرة، وينشرون استراتيجيات جديدة ولغة ثاقبة لا معنى لها إلا في سياقهم الخاص. إنهم جميعًا شباب، لكنهم ليسوا متطابقين. وكما لاحظ آصف بيات، أستاذ علم الاجتماع المختص بالمنطقة، فإن مصطلحات مثل "سياسة الشباب" أو "نشاط الشباب" لا تعني ببساطة أن الشباب مسيسون، بل إنها تعني ضمنًا أن الشباب كخبرة معاشة يتقاطعون مع هويات أخرى، مثل الطبقة والجنس والمهنة والقبيلة، لإنتاج أفكار وأفعال واستراتيجيات جديدة لتغيير الوضع الراهن، في ظاهرة يمكن أن نسميها "التطابق الجيلي".

لكن السؤال الجدير بالبحث والتحليل في مقال منفصل هو: ما تأثير هذه السمات الخمس على سياسة هذا الجيل؟ وهل التفاعل مع "طوفان الأقصى" يعني دورًا حاسمًا لجيل Z في استعادة السياسة لأرض العرب؟ وبأي معنى؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة